رحل هاني الناظر كما رحل الطيبون والأنقياء والنبلاء.. رحل تاركا وراءه سمعة نقية من العطاء والوفاء لمهنته وللمرضى والفقراء والمحتاجين والبسطاء من بين ملايين المصريين الذين أهدى لهم حياته ونداءه الإنساني.
لم يعد سائل ولم يُغلق الباب في وجه مريض لا يستطيع تحمل تكاليف العلاج أو حتى الوصفة الطبية. فكان الطبيب هو الرجل… طبيب الفقراء.
لقد كان مثالاً واضحاً للطبيب، الإنسان الكريم الذي رزقه الله من رزقه وفضله. وأعطى كل مسكين، وكل محتاج، وكل يتيم، وكل مريض دون مقابل. لقد أحبه الملايين واستجابت صلواتهم. سيغلبه إلى يوم القيامة. لم يتم الرد على طلب علاج مريض فقير مهما كانت التكلفة، وأنا بنفسي أرسلت له عشرات الحالات، عبر الاتصال المباشر أو عبر صفحته التي امتلأت بملايين مرضى الأمراض الجلدية، الذين طلبوا العلاج، وفعلت ذلك له أيضا. فلا يتردد في الرد عليه حتى في الأيام التي كان يعاني فيها من المرض اللعين.
عرفته منذ أربعة عشر عامًا عندما كان رئيسًا للمركز القومي للبحوث، وقدم للمركز أفكارًا متطورة للنهوض بالبحث العلمي في مصر، واستمرت علاقتنا بالمودة والحب والتقدير.
وسألته ذات مرة عن تفانيه الكامل لأكثر من 15 عاماً في علاج المرض، سواء في عيادته أو عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك. فقال لي: إن الله أعطاني رزقاً كثيراً وفضلاً كثيراً. في صحتي، في عملي، في أطفالي، عائلتي وزوجتي. أفلا أكون عبدا شكورا كريما “من فضله وكرمه على عباده كما أعطاني”.
التقيت بهذا الرجل عدة مرات في إحدى القرى السياحية بسفاجا حيث يوجد علاج مفتوح لمرض الصدفية، وشاهدت حالات يعالج فيها مصريون بسطاء. وقال لي ألا أخبر أحداً عنها. وتكفل على نفقته الشخصية بتكاليف علاجها وإقامتها في القرية وتنقلاتها لأكثر من شهر.
هذا القلب الكبير مصور بملامح إنسانية طيبة. كان ينتمي إلى جيل أكتوبر العظيم. عاش سنوات طويلة مقاتلاً على جبهات حرب أكتوبر برتبة ضابط. ولذلك كان دائمًا متسلحًا بالصبر والأمل والثقة في أن مصر ستكون دولة قوية ومزدهرة. وطن قادر على مواجهة التحديات والصعوبات.
وكان يضحك دائمًا عندما أقول له: ‘والله يا دكتور، عندنا في مصر ألف طبيب اسمه هاني الناظر، بينما البسطاء والفقراء يخافون على أنفسهم المرض أو ييأسون من شفاءهم’.
رحم الله العالم الجليل وطبيب الإنسان د. هاني الناظر الذي كان مخلصاً مطيعاً لما قال الله تعالى لقدوتنا الصالحة الرسول الكريم “وأما اليتيم فلا تقهره. وأما السائل فلا تنهره وأما رحمة ربك فافعل».
ومن واجب الجهات المعنية أن تقدره وتخلده وتكرم اسمه تقديرا لأعماله الإنسانية الجليلة.